نظام الشركات الجديد في السعودية
تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الاقتصادات التي تسعى جاهدة لتعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الوطنية والدولية. وفي هذا السياق، أطلقت السعودية مجموعة من الإصلاحات والتحولات الهيكلية لتحسين مناخ الأعمال ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. من بين هذه الإصلاحات صدر نظام الشركات الجديد بموجب المرسوم الملكي (م/132) وتاريخ 1/12/1443هـ الموافق 30/6/2022م.
ويهدف هذا النظام إلى تعزيز البيئة التنظيمية للشركات وتيسير الإجراءات والمتطلبات النظامية لتحفيز بيئة الأعمال ودعم الاستثمار، وتحقيق التوازن بين أصحاب المصالح، وتوفير إطار فعال وعادل لحوكمة الشركات، وتكريس العمل المؤسسي، والمساهمة في استدامة الكيانات الاقتصادية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوفير مصادر تمويلية مستدامة، إضافة إلى تلبية احتياجات ومتطلبات قطاع ريادة الأعمال، وتحفيز نمو المنشآت الصغرة والمتوسطة.
هذا التعديل هو امتداد لتطورات رؤية 2030 التي تهدف إلى تطوير مستقبل كل القطاعات و على رأسها قطاع الإستثمارات نظرا لانعكاساته الإيجابية على بقية القطاعات, فالارتقاء بالبيئة الاقتصادية هو في الحقيقة نهوض بكل المجالات الأخرى و هو المنهج الذي تبنّته المملكة العربية السعودية في رؤيتها لسنة 2030 سعيا منها لخلق بيئة حديثة متميزة و نموذجية في كل المجالات. و من البديهي أن يرتكز هذا التطور على أنظمة قانونية مستحدثة تتماشى و متطلبات الإقتصاد المعاصر ما عجّل بتعديل أغلب الأنظمة و منها نظام الشركات الذي بدأ سريان العمل به وبلوائحه التنفيذية اعتبارا من 19 يناير 2023م، يشكّل هذا النظام محفزا للمنظومة التجارية وتنميتها و يمتاز بالمرونة العالية لحماية الشركات، وتمكين القطاع الخاص للمساهمة بشكل رئيسي في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
أبرز ملامح نظام الشركات الجديد في السعودية :
دخل نظام الشركات الجديد في المملكة العربية السعودية حيز النفاذ بتاريخ 19 يناير 2023، ومعه جاءت لوائح تنفيذية تعكس رؤية جديدة لتنمية القطاع التجاري و الحث على تعزيز الإستثمار و بعث رؤية إقتصادية معاصرة تتماشى مع رؤية 2030.
و يعتبر هذا النظام دافعًا قويًا لتطوير البنية التحتية التجارية، ويتميز بمرونته في حماية حقوق الشركات وتمكين القطاع الخاص من دور أساسي في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. كما يسهل تأسيس الشركات ويدعم استمراريتها ونموها، ويشجع على الاستثمارات الجريئة التي تساهم في خلق مشاريع عملاقة تفتح السبل أمام فرص العمل ، ويتعامل مع التحديات التي تواجه الشركات العائلية وريادة الأعمال بشكل شامل وفعّال.
ومن أبرز ملامح النظام الجديد، أن تتخذ الشركة التي تؤسس وفقا لأحكام نظام الشركات الجديد، أحد الأشكال التالية: الشركة ذات المسؤولية المحدودة، شركة المساهمة المبسطة، شركة التوصية البسيطة، شركة المساهمة، شركة التضامن.
واستثنى النظام الشركات متناهية الصغر والصغيرة من متطلب تعيين مراجع الحسابات مراعاة لحداثتها وحجمها، وفيما يتعلق بالشركات المساهمة، أقر النظام أنه لن يكون هناك حد أقصى لمكافآت أعضاء مجلس الإدارة في الشركة المساهمة، ويمنح النظام الجمعية العامة العادية صلاحية تحديد مقدار تلك المكافآت، مع وضع معايير عادلة ومحفزة وتتناسب مع أداء العضو وأداء الشركة.
تعريف الشركة
حسب المادة الثانية من نظام الشركات تعتبر “الشركة كيانا قانونيا يؤسس وفقًا لأحكام النظام بناءا على عقد تأسيس أو نظام أساس يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل أو منهما معًا لاقتسام ما ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، واستثناء من ذلك، يجوز -وفقًا لأحكام النظام- أن تؤسس الشركة بالإرادة المنفردة لشخص واحد، ويجوز تأسيس شركات غير ربحية وفقًا لما ورد في الباب (السابع) من النظام”.
ويتضمن نظام الشركات الجديد في السعودية مجموعة من التطورات الرئيسية، أهمّها:
تسهيل إجراءات التأسيس: يهدف النظام الجديد إلى تبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتقليل البيروقراطية، مما يشجع على المزيد من الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية.
تعزيز الشفافية: يتضمن النظام الجديد متطلبات لتعزيز شفافية أعمال الشركات وحماية حقوق المساهمين وتقديم المعلومات المالية بطريقة واضحة وشفافة.
تعزيز حماية المساهمين: يتضمن النظام آليات لحماية حقوق المساهمين وتعزيز مشاركتهم في صنع القرارات الهامة للشركات.
تشجيع الابتكار والاستثمار: يهدف النظام الجديد إلى خلق بيئة مناسبة للابتكار والاستثمار من خلال توفير مرونة ودعم للشركات الناشئة والمبتكرة.
تحفيز النمو الاقتصادي: يعمل نظام الشركات الجديد على تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة من خلال دعم الشركات وتمكينها من التوسع والنمو.
ما هو مضمون نظام الشركات الجديد في السعودية ؟
يرتكز اهتمام المملكة بتحديث الإطار التنظيمي للشركات من خلال مواكبتها للتطورات العالمية والتغيرات السريعة في قطاع المال و الأعمال. لذلك اصدرت نظام الشركات الجديد الذي تبنّى رؤية معاصرة تختزل في ما يلي:
-تميز النظام الجديد بتطوير وترتيب الأحكام وعناوين المواد، مما يسهل الوصول إليها والبحث عنها.
–التخلّي عن شركة المحاصة كنوع من أنواع الشركات المؤسسة يبرز الحرص على تعزيز الشفافية والاستقرار في القطاع الاقتصادي، نظرًا للطبيعة الخاصة لتلك الشركات بتركيبتها المستترة و الغير بارزة للعموم مما لا يتماشى مع مبدأ الشفافية الذي حرصت الرؤية الجديدة لمظام الشركات على تبنيها.
-فيما يخص شركة التضامن، حرص نظام الشركات الجديد على الحفاظ على استمراريتها بعد وفاة أحد الشركاء، ما لم يُنص على خلاف ذلك في عقد التأسيس، وهو ما يعكس التوجه الحالي نحو الاستمرارية والثبات في العمليات التجارية و فقا للمادة 50 من نظام الشركات الجديد.
كل شركة من أنواع الشركات المختلفة يكون لها عقد تأسيس باستثناء شركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، والشركات المساهمة المبسطة يكون لها نظام أساس.
كما أجاز النظام إبرام الاتفاقيات المتعلقة بالميثاق العائلي التي تعمل على تنظيم الملكية العائلية في الشركات، والمساعدة في حوكمة الشركات وإدارتها.
و من أبرز تعديلات النظام على مستوى إدارة الشركات نذكر إتاحة إمكانية طلب تعيين مشرف على إدارة الشركة لأي ذي مصلحة إذا لم يتم انتخاب مجلس إدارة جديد، وذلك وفقًا للتعديلات التي أُدخلت في المادة 69.
كما يُشترط الحصول على موافقة الجمعية العامة للشركة المساهمة قبل بيع أصول تزيد قيمتها عن ٥٠٪ من إجمالي أصول الشركة، وهذا ما يُنص عليه في المادة 75.
و استجابة لظروف عالم المال و الأعمال الحالية سمحت المادة 80 من النظام الجديد بعقد اجتماعات مجلس الإدارة باستخدام وسائل التقنية الحديثة.
و قد تم توسيع اختصاصات الجمعية العامة غير العادية المنصوص عليها في النظام، بما في ذلك تأكيد اختصاصها في تقرير استمرار الشركة أو حلها، والموافقة على شراء الشركة لأسهمها، وفقًا للمادة 85 من نظام الشركات الجديد.
كما تمّ رفع بعض القيود التي كانت مفروضة على الجمعية العامة غير العادية بخصوص تعديل نظام الشركة الأساسي، لتتيح لها إمكانية تغيير جنسية الشركة أو نقل مركزها الرئيسي إلى خارج المملكة وفق المادة السابقة.
تم تقليص مدة سماع دعوى البطلان إلى 90 يوما من تاريخ صدور القرار بدلا من سنة كما كان معمولًا به في النظام السابق، وهذا يهدف إلى تعزيز استقرار الشركات، وفقًا للمادة 99 والمادة 170. و قد تم اشتراط أن يكون رافع دعوى البطلان مساهما أو شريكا (في حالة الشركات ذات المسؤولية المحدودة) أثناء رفع الدعوى وخلال جميع إجراءاتها، وهذا يعكس مبدأ المصلحة في الدعوى، وفقا للمادة 99 و 170 من النظام.
أما عن تكوين الإحتياطات فقد تم إلغاء النص الإلزامي السابق الذي كان يتطلب تجنيب 10٪ من صافي الأرباح سنويا كاحتياطي لشركات المساهمة وذات المسؤولية المحدودة، وأصبح الأمر إراديا وفقا لما ينص عليه نظام الشركة الأساس، مما يمنح الشركات حرية أكبر في إدارة سياساتها المالية، وفقًا للمادة 123 و 170 من لنظام.
و من ضمن التغييرات تم إلغاء النص الذي كان ينص على انقضاء الشركات المساهمة وذات المسؤولية المحدودة بقوة النظام إذا بلغت خسائرها نصف رأس مالها، وتمكين الجمعية العامة من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك الخسائر أو حل الشركة، وفقًا للمادة 132 و 182.
و من أهم المكاسب التي جاء بها نظام الشركات الجديد نذكر استحداث شكل جديد من الشركات و هي شركة المساهمة المبسطة التي تعد من العوامل المحفزة على الاستثمار، حيث يساهم هذا الشكل في زيادة تدفق الأموال نحو قطاع الأعمال، وذلك وفقا للمواد المدرجة من 138 إلى 155.
كما تم إلغاء القيد السابق الذي كان يحدد عدد الشركاء في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث كان الحد الأقصى للشركاء محددا بخمسين شريكا، وهذا الإلغاء يمنح فرصة لتأسيس المزيد من الشركات وفقًا للنمط القانوني المناسب للمؤسسين، وفقًا للمادة 156 من نظام الشركات الجديد. إضافة إلى إلغاء القيد السابق الذي كان يمنع الأفراد الطبيعيين من تأسيس أو امتلاك أكثر من شركة ذات مسؤولية محدودة تابعة لشخص واحد، مما يتيح لهم مرونة أكبر في إدارة المشاريع، ويشكل حافزا لزيادة التمويل في مختلف المجالات الاقتصادية، وفقا للمادة 157.
أما عن تقسيم الشركات, فقد تم تضمين أحكام جديدة تتعلق بتقسيم الشركات، بالإضافة إلى الأحكام السابقة المتعلقة بتحولها واندماجها، وفقا للمواد من 231 إلى 234 من نظام الشركات الجديد.
كما تم تنظيم أحكام تصفية الشركات، بما يشمل ضوابط عزل المصفي وتقليص مدة التصفية إلى ثلاث سنوات بدلاً من خمس سنوات كما كان في النظام السابق، وفقًا للمواد من 242 إلى 259.
و قد شملت تغييرات نظام الشركات الجديد باب العقوبات حيث تم تشديد العقوبات المقررة على عدد من الجرائم مثل الحصول على منافع مقابل التصويت لصالح اتجاه معين للإضرار بمصالح الشركة، وتوزيع الأرباح أو قبضها بسوء نية وخلافًا لأحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس، وفقا للمادة 261.
كما نصّ النظام على تشكيل لجنة متخصصة في مراجعة المخالفات المنصوص عليها في المادة ٢٦٢، وتحديد العقوبات المناسبة لها، مع استثناء المخالفات المتعلقة بشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية، وفقًا للمادة 267.
ما هو الفرق بين نظام الشركات القديم ونظام الشركات الجديد؟
يهدف نظام الشركات الجديد إلى تعزيز وتنظيم جميع أحكام الشركات بجميع أنواعها، ومنح المرونة في تداول الأسهم وتوزيع الأرباح المجزئة، وإزالة قيود تأسيس الشركات التي كانت موجودة سابقا.
كما يعمل النظام على تعديل نظام قرارات الشركاء من خلال منح العدل في تقديم الحصص للشركاء أو المساهمين مقابل جلب النفع للشركة.
ومن منظور تعديل نظام قرارات الشركاء منح أتاح النظام أتاح إمكانية دمج الشركات أو تقسيمها. و قد أتاح النظام الجديد إمكانية طلب تأسيس الشركات والتصويت على القرارات بشكل إلكتروني.
بالإضافة إلى تطور قوانين إنهاء الشركات بما يتماشى مع منظومة الإفلاس في السعودية.
ختامًا نؤكد على أن نظام الشركات الجديد يهدف إلى تعزيز البيئة التجارية وتنميتها، وحماية الشركات، وتمكين القطاع الخاص من المساهمة بشكل رئيسي في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.